الذئب الرهيب: من الأسطورة إلى الواقع
كان الذئب الرهيب، الذي ألهم شخصية "الكلاب المخيفة" في مسلسل "صراع العروش"، أحد أبرز المفترسات في العصر الجليدي. وقد تميز هذا النوع عن الذئاب الرمادية الحديثة بحجمه الضخم، ورأسه العريض، وفروه الكثيف، وفكيه القويين القادرين على سحق عظام الفرائس بسهولة.
وقد نجح فريق العلماء في "كولوسال" في إنتاج ثلاثة صغار من الذئاب الرهيبة بعد تعديل جينات الذئب الرمادي، أقرب الأقارب الأحياء لهذا النوع المنقرض. وأشارت الشركة إلى أن النتائج أسفرت عن هجين يحمل السمات الجسدية والوراثية للذئب الرهيب، مما يجعله أقرب ما يكون إلى النسخة الأصلية المنقرضة.
كيف تم إحياء الذئب الرهيب؟
1. استخراج الحمض النووي القديم
اعتمد العلماء على عينات من الحمض النووي تم استخلاصها من حفريات تعود إلى 13,000 و72,000 عام، بما في ذلك سن وجمجمة ذئب رهيب محفوظة جيدًا.
2. تحليل الجينوم ومقارنته بالأنواع الحية
تمت مقارنة جينوم الذئب الرهيب مع جينومات الذئاب الرمادية وابن آوى والثعالب لتحديد الجينات المسؤولة عن الصفات المميزة مثل الفراء الكثيف والفك القوي.
3. التعديل الجيني باستخدام تقنية "CRISPR"
باستخدام تقنية التعديل الجيني الدقيق CRISPR-Cas9، قام العلماء بإجراء 20 تعديلًا في 14 جينًا لتحويل خلايا الذئب الرمادي إلى خلايا تحمل صفات الذئب الرهيب.
4. الاستنساخ ونقل الأجنة إلى أمهات بديلة
بعد تطوير الأجنة المعدلة جينياً، تم نقلها إلى كلاب منزلية (كلاب صيد كبيرة) لتعمل كأمهات بديلة. وقد أسفرت العملية عن ولادة ذئبين ذكرين في أكتوبر 2024، وأنثى في يناير 2025.
أين تعيش الذئاب الرهيبة الجديدة؟
تعيش الذئاب الثلاثة في منشأة سرية مساحتها 2000 فدان، محاطة بسياج عالٍ يصل إلى 3 أمتار (10 أقدام)، وتخضع لمراقبة دقيقة عبر كاميرات حية وطائرات مسيّرة. وأكدت الشركة أن المنشأة حاصلة على اعتماد الجمعية الأمريكية للرفق بالحيوان، كما أنها مسجلة لدى وزارة الزراعة الأمريكية.
هل يمكن اعتبار هذه الذئاب "ذئابًا رهيبة" حقيقية؟
أثار الإعلان عن هذا الإنجاز جدلاً علميًا حول ما إذا كان يمكن اعتبار هذه الذئاب المعدلة جينيًا نسخًا طبق الأصل من الذئب الرهيب المنقرض.
من جانبه، قال لوف دالين، أستاذ علم الجينوم التطوري في جامعة ستوكهولم والمستشار العلمي لشركة كولوسال:
"من الناحية الجينية، هذه الذئاب هي ذئاب رمادية بنسبة 99.9%، لكن الجينات التي تم تعديلها تجعلها أقرب إلى الذئب الرهيب مما رأيناه منذ آلاف السنين. هذا إنجاز مذهل."
وأضاف أن "النقاش حول عدد الجينات التي يجب تغييرها لاعتبارها ذئبًا رهيبًا حقيقيًا يبقى سؤالًا فلسفيًا أكثر منه علميًا."
ما الهدف من إحياء الأنواع المنقرضة؟
بالإضافة إلى الذئب الرهيب، تعمل شركة كولوسال على مشاريع أخرى تهدف إلى إحياء الماموث الصوفي، والدودو، والنمر التسماني. وترى الشركة أن هذه الجهود يمكن أن تساهم في:
استعادة التوازن البيئي – من خلال إعادة إدخال الأنواع المنقرضة إلى موائلها الأصلية.
حماية الأنواع المهددة بالانقراض – حيث يمكن استخدام التقنيات نفسها لتعزيز التنوع الجيني للحيوانات المعرضة للخطر.
تطوير تقنيات طبية – مثل تحسين عمليات الاستنساخ والتعديل الجيني لعلاج الأمراض الوراثية.
وفي خطوة ذات صلة، أعلنت الشركة أنها نجحت أيضًا في استنساخ ذئاب حمراء، وهي من أكثر أنواع الذئاب المهددة بالانقراض في العالم.
انتقادات وأسئلة أخلاقية
رغم الإشادة بهذا الإنجاز العلمي، إلا أن المشروع واجه انتقادات من بعض العلماء والمهتمين بالبيئة، الذين يشككون في:
التكلفة الباهظة للمشروع، والتي تجاوزت 435 مليون دولار منذ تأسيس الشركة في 2021.
المخاطر المحتملة على الحيوانات المستخدمة كأمهات بديلة.
مدى فائدة إعادة الذئاب الرهيبة إلى بيئة مختلفة تمامًا عن عصرها الجليدي.
وردًا على هذه الانتقادات، أكدت الشركة أنها تتبع معايير صارمة للرفق بالحيوان، وأن المنشأة تخضع لرقابة دقيقة.
ماذا بعد؟
قال بن لام، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة كولوسال:
"هذا الإنجاز هو مجرد بداية لثورة في علم الأحياء القديمة. سنواصل العمل على إحياء أنواع أخرى، مع التركيز على ضمان سلامة هذه الكائنات ودورها في النظام البيئي."
ومن المتوقع أن تعلن الشركة قريبًا عن تفاصيل جديدة حول مشروع إحياء الماموث الصوفي، الذي من المقرر أن يرى النور بحلول 2028.
يُعد إحياء الذئب الرهيب خطوة جريئة نحو عصر جديد من الهندسة الوراثية، حيث يتحول ما كان يُعتقد أنه ضرب من الخيال العلمي إلى حقيقة ملموسة. لكنه يطرح أيضًا تساؤلات عميقة حول حدود العلم، وأخلاقيات التعديل الجيني، ومستقبل التعايش بين الأنواع القديمة والحديثة.
فهل سنشهد قريبًا حديقة جوراسية حقيقية؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.
تعليقات
إرسال تعليق